منتدى الطلاب و الطالبات الجامعيين من فاس الى مراكش
المنتدى يحتاج الى مراقبين و مشرفين

شارك في المنتدى الفرعي الذي تود أن تكون المشرف فيه . و شكرا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الطلاب و الطالبات الجامعيين من فاس الى مراكش
المنتدى يحتاج الى مراقبين و مشرفين

شارك في المنتدى الفرعي الذي تود أن تكون المشرف فيه . و شكرا
منتدى الطلاب و الطالبات الجامعيين من فاس الى مراكش
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الطلاب و الطالبات الجامعيين من فاس الى مراكش

Universités marocaines, cours, examens, informations, nouvelles, droit, économie, lettres, philosophie, sociologie, étudiants de marrakech, faculté de droit français et l'économie, sciences humains

نطلب من كل طالب يتوفر على الجديد أن ينشره على الموقع و شكرا ليكن علم جميع طلبة الفصل الخامس علم الاجتماع فاس سايس أن الامتحانات ستنطلق من يوم الاثنين 09/01/2012 و حظ سعيد للجميع بالتوفي و النجاح
نطلب من طلبة كلية العلوم الانسانية فاس سايس و خصوصا طلبة علم الاجتماع اخبارنا بكل جديد يخص الامتحانات و الدروس . و ندعوهم للمشاركة المكثفة في الموقع
Le Deal du moment : -40%
-40% sur le Pack Gaming Mario PDP Manette filaire + ...
Voir le deal
29.99 €
Le Deal du moment :
Pokémon EV06 : où acheter le Bundle Lot ...
Voir le deal

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

العمل والإنتاج

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1العمل والإنتاج  Empty العمل والإنتاج الأربعاء 26 يناير - 11:03

ابتسام





1. العمل والإنتاج
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن مسألة "التطبيق" هي القاعدة الأساس التي ينطلق منها تفكير الإنسان وتكوينه لتصوراته النظرية. لقد كانت الرغبة في "محاربة الشقاء الإنساني والمحافظة على الجنس البشري" هي ما دفع فرنسيس بايكون إلى المناداة بتقويض أوهام الكهوف وغيرها من الخرافات وإحلال العلم النافع القائم على الخبرة وعالم المحسوسات محلها. لم تعد غاية الفكر أو المعرفة تطهير النفس الإنسانية وبلوغها مرحلة الكمال والتحرر من شؤون الحياة ومطالبها على حد تعبير أرسطو، بل صارت ـ حسب فلسفة العصر الحديث ـ تركز على مطالب هذه الحياة، وغدت قيمة المعرفة العلمية من الثمار التي يمكن أن نجنيها من تعاملنا مع الواقع وتجربتنا فيه وتنظيمنا لشؤونه وأدواته. إن هذا النوع من الفكر العلمي هو ما يجعل من المعرفة توأماً للقوة، على حد تعبير فرنسيس بايكون. وهكذا ننظر إلى الوضوح في التصوّر الفكري على أنه وظيفي للعمل والتطبيق، كما ننظر إلى التجربة والتطبيق على أنها وظيفية للفكر والمعرفة.
ويقتضي منا هذا التحديد الربطَ بين هذه الحلول وما تستدعيه من مطالب لتحريك الواقع. ومن هنا كانت الظروف الواقعية أساس تحديد المشكلة ونهاية المطاف في هذا الفهم للواقع، مما يؤدي إلى مواجهته وتحويله من حيث هو إلى حيث يراد له. إن الالتزام بعناصر الواقع للفعل فيها ومعرفة أبعادها، هو الضمان لتحويل الحلول إلى قوى فعالة، وإلا غدت مجرد أمور لا طائل من ورائها.
ويقتضي تحقيق الحلول والأفكار التفكيرَ في الأساليب والوسائل والظروف التي يمكن استخدامها وتوجيهها والاستعانة بها لكي يتغير الواقع من صورته الحالية إلى الصورة المنشودة. فلا يكفي أن نحدد، مثلاً، مرتكزات التدريب والفئات المستهدفة به، أو نحدد عناصر التعليم اللازم في تفاصيله، وإنما لابد أن يقترن ذلك اقتراناً عضوياً بالوسائل التي تمكن من تحقيق هذا التدريب أو التعليم المنشود. ولابد أن تكون الوسائل ممكنة وقابلة للاستخدام ومناسبة للموقف.
وفي هذا الصدد نود الإشارة إلى النكتة المشهورة عن الصورة الشكلية للتدريب على الربط بين المدرسة والمحيط، حين عاد المدرس المتدرب إلى مدرسته وأخذ يبحث عن البيئة ليربطها بالمدرسة، لم يجد ذلك المحيط الذي سمع عنه الكثير أثناء تدريبه. إن مثل هذا المدرس لم يستطع خلال فترة تدريبه التعرف على التفاصيل والجزئيات والمواقف والعناصر التي تمثل الارتباط بين المدرسة والبيئة في ضوء الواقع الذي يعمل فيه وظروف العمل التي يعيش فيها. كما لم يتدرب على الوسائل الفعالة لتحقيق هذا الربط، وبالمقابل كل ما تعلمه هو مجرد صياغة لفظية قد يرددها أمام المفتش (الموجّه) وقد يسخر منها بينه وبين نفسه.
من أهم أهداف التربية إعداد الفرد للعمل والإنتاج، وذلك لأن من أهم مميزات الإنسان كونه كائناً منتجاً يحقق إنسانيته في العمل باعتباره نشاطاً اجتماعياً. والبطالة جريمة إنسانية كبرى وانحراف بالإنسان عن الاستمتاع بأعظم مقوماته الإنسانية.
فتعليم العالم الإسلامي في نظامه ومحتواه وعملياته ووظائفه الراهنة، حقيقة اجتماعية قـائـمة. ولا بـد أن ننـظر إليه نظرة فاحصة تتيح لنا رؤية: ماذا يراد تحقيقه به؟ وكيف يمكن أن يحققه في مراحله وبأساليبه وإمكاناته ؟ وهل هناك فرضيات نأخذها على علاتها صارت لطول الألفة بها من المسلمات التي قد لا تتمشى مع صياغتنا الجديدة لمجتمعنا، أو لا تدفع إلى تطوره ؟، لاشك أن الإنسان قابل للتعلم وقادر عليه، وأنه يمكن دائماً أن نتخذ من الوسائل ما يمكن به تغيير التعليم السابق، وإزالة آثاره، وترسيخ المطالب الجديدة في التعلم.
2. الشخصية المنتجة
تنهض مقومات الشخصية المنتجة على مبدأين اثنين، تدور حولهما مظاهر نشاطها وسماتها. وهذان المبدآن هما : التعقل والعمل.
أ) مبدأ التعقل :
حين نقول إن الشخصية المنتجة "متعقلة" لا نقصد بذلك أن تبرز في الشخصية عمليات التفكير والمعرفة. فمفهوم التعقل لدى علماء الاجتماع يركز على أسلوب معين في الحياة له جانبان هما: التعقل الوظيفي والتعقل الواعي.
فالشطر الوظيفي يتضمن اتباع الفرد مجموعةً من الوسائل التي يراها ملائمة للوصول إلى أهداف مرسومة. ولكل وسيلة من هذه الوسائل، أو لكل مرحلة من المراحل، مكانة وظيفية في التنظيم العام ترتبط بما يسبقها وتمهد لما يلحقها. وبذا يكون تنسيق الوسائل عملية فعالة في تحقيق الهدف المنشود.
وبهذه الصورة يكون الارتباط بين الوسائل والغايات، ومعرفة دور العناصر المشتركة ومدى تتابعها وترابطها، أمراً ضرورياً في "التعقل". ويمكن الحكم على أي سلوك بأنه متعقل أو غير متعقل من الناحية الوظيفية في ضوء المعيارين الآتيين :
أولاً : كونه حلقة في سلسلة منتظمة من السلوك يمسك بعضها ببعض لتحقيق أهداف مقصودة.
ثانياً : قدرة الشخص الملاحظ لهذا السلوك على أن يقدره ويتوقع إمكان فعاليته في بلوغ الغاية، كما يستطيع هذا الملاحظ أن يتابعه إذا أراد المشاركة فيه.
أما الشطر الثاني فهو "التعقل الواعي"، ويستلزم أن يكون الفرد مدركاً لنتائج ما يقوم به وواعياً بآثاره، بحيث يستطيع أن يعدل أهدافه، ويغير وسائله وأساليبه في ضوء التجربة الواقعية له. ولذلك نتحدث عن التخطيط بدل الخطة، إذ التخطيط عملية نامية مستمرة، وليست ثابتة لا تقبل التغيير. ويتأتى هذا عن تقويم الإنسان لأعماله ومراقبته لدوافعه واتجاهاته بحيث يستطيع أن يعمل ويفكر في ما يقوم به، ويستغرق في نشاط معين ويقدر هذا النشاط. فالشخص الذي لا يستطيع أن يفكر في أعماله، ويتأمل في نشاطه على علاته، غير قادر على النمو ومواجهة المواقف الجديدة، خصوصاً إذا لم يكن ثمة بُدٌّ من العيش في عالم متجدد متطور.
وهذان الجانبان ضروريان لفهم التعقل في الشخصية المنتجة، إذ أن جانب التنظيم الوظيفي قد يتوفر دون أن يتحقق الجانب الواعي كما هو الحال في كثير من أنواع التنظيم الإداري في الدولة الحديثة، حيث ترتبط حلقاته ومراتبه، ومع ذلك قد يكون مدعاة للجمود نتيجة لعدم قدرة الأفراد على تطويره والوعي بآثاره. ورغم ذلك فإن التعقل الوظيفي في هذه الحالات ينقصه الوعي بالهدف العام أو المشاركة في رسمه، مما يجعل المرء واعياً بأساليبه ومدركاً لكيفية تطوير أهدافه. ومن ناحية أخرى، إن التعقل الواعي الذي لا يعتمد على نظيره الوظيفي لا يكون مستكملاً للمفهوم الاجتماعي من التعقل. فصاحب الورشة أو الدكان في القرية أو المدينة الصغيرة، يستطيع أن يفتح ورشته أو دكانه متى شاء، وينظمه بالطريقة التي يشاء، ولكنه لا يحكم استعمال الأساليب والتنظيم التي تحقق الغرض من النشاط الذي يقوم به. ولعل هذا من أهم الفروق القائمة بين التنظيمات الصناعية الحديثة والتنظيمات الأولية في تحقيق الهدف العام.
والشخصية المنتجة هي التي تتميز بالتعقل الوظيفي الواعي. فالتعقل الوظيفي يتضمن كثيراً من الخصائص والاتجاهات التي تتصل بالقدرة على تحمل المسؤولية، والالتزام الأدبي، ومراعاة حقوق الغير وواجباته، وإدراك المصلحة العامة، والتعاون في العمل الجمعي المشترك، والقدرة على تنسيق الجهود، وتقدير عمل الآخرين، وتقبل التنظيم، وضبط النفس وإحكام اختيار الوسائل واستعمالها، والابتعاد عن المؤثرات الشخصية والانفعالات والعواطف التي لا تكون حلقات موضوعية في سلسلة بلوغ الغايات. كل هذه الاتجاهات وما يحققها من قواعد وأساليب، تكوّن الجانب الأول من التعقل الوظيفي في الشخصية المنتجة. ولعل ظاهرة التعقيد التي يتسم بها المجتمع الحديث تعني ارتباط مؤسساته وجوانبه وأجزائه ونظمه ارتباطاً وثيقاً لا يمكن تجاهله، شأنه في ذلك شأن الصناعة الحديثة، ومن ثم جاءت أهمية التعقل الوظيفي لمعرفة الأدوار والمواقع والتنظيمات والتخطيطات، حتى يستطيع المجتمع أن يرسم سياسته وأهدافه ويتمكن أفراده من أن يكونوا منتجين.
وتتدرج ضمن التعقل الواعي اتجاهات القدرة على الأصالة، واستقلال الحكم، والإحساس بأهمية الفرد وكيانه، والقدرة على الابتكار والخلق والتلقائية. ليس معنى الأصالة الناتجة عن التعقل الواعي أن تقول شيئاً أو تعمل شيئاً لم يسبقك إليه أحد، وإنما أن تأتي عن طريق المعرفة الحقيقية بالشيء واحترام هذه المعرفة والوصول إلى تكييف خاص بين الفرد وبين هذه "المعرفة" أو "الخبرة"، فتصدر المعرفة عن شخصيتك ولها مذاقها ومعانيها ودلالتها، وبذلك تكون الأفكار أصيلة حسب هذا المفهوم. تكون الشخصية منتجة بقدر ما تكون نشيطة متفاعلة، قادرة على الاستجابة، واعية بما حولها، لا كما ترغب هي، بل في ضوء إدراكها لمستلزمات الأمور واحترامها لهذا النوع من الإدراك. وعلى أساس هذا الوعي بالأشياء الخارجية وارتباط المرء ارتباطاً خاصاً بهذا الوعي، يقوم الخلق والابتكار. فالأمر الذي نفهمه ونرتبط به هو الذي يولد فينا الثقة بالنفس، وهو ما نخلقه وما يبعث فينا القدرة على الخلق. ويتوقف مدى الأصالة والابتكار على العلاقة بين المعرفة الموضوعية وأنواع الارتباط الشخصي بها،. فحيث تنعدم المعرفة ويسود الجهل تنعدم فرص الابتكار والخلق وحرية التفكير وإمكاناته. فكيف يمكن أن تكون حرية التفكير إذا انعدمت مادة التفكير أو التعبير؟. إن حشو الذهن بالمعلومات النمطية الراكدة التي يتقبلها الفرد باعتبارها مسلمات معصومة من الزلل لا تحتاج إلى مناقشة أو ارتباط شخصي بها. فهذا يقتل القدرة على التعقل الواعي وينمي القدرة على التلقي السلبي دون القدرة على الإنتاج والخلق والابتكار.
ب) مبـدأ العمـل :
والمحور الثاني من محاور الشخصية المنتجة هو القدرة على العمل. ونقصد بالعمل والإنتاج هنا كلاًّ من ميادين السلع والخدمات، كما اصطلح عليهما رجال الاقتصاد. فقد يكون العمل والإنتاج مادياً أو فكرياً أو فنياً أو أدبياً. ولا يمكن أن يقوم أي مجتمع إلا على أساس قيام أفراده بالعمل والإنتاج في ميادين السلع والخدمات، وإعطاء كل منهما قيمته في حياة الجماعة. لكن نمو المجتمع ونهضته، في نهاية المطاف، يرجعان إلى قدرة أفراده على استهلاك السلع والخدمات استهلاكاً لا يقل عن الحد الأدنى الذي تتطلبه ضرورة المعيشة في شروط معينة. وهذا ما يعبر عنه بمستوى المعيشة. فالشخص النظيف هو الذي يستهلك من سلع الصابون ومعجون الأسنان والماء النقي والمبيدات الحشرية وغيرها ما يجعله نظيفاً، وهو أيضا الشخص الذي يعمل وينتج ليكون قادراً على استهلاك هذه الأشياء. من هنا جاء الارتباط المباشر الحتمي بين رفع مستوى المعيشة بهذا المعنى وبين زيادة القدرة كمّاً وكيفاً حتى يتمكن المجتمع من توفير ما يتطلبه أفراده من حاجات متطورة متزايدة.
لاشك أن عملية الإنتاج من الأمور التي يتميز بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية ؛ فليس الإنسان حيواناً عاقلاً فحسب، كما يقولون، بل هو أيضا كائن منتج يستطيع أن يحول المادة إلى أشياء مصنوعة، ويستطيع أن يعمل ليغير الظروف الطبيعية المحيطة به. وهو إلى جانب هذا كائن لابد له أن يعمل وينتج حتى يستطيع أن يعيش ويبقى! فالإنتاج وظيفة من الوظائف الإنسانية التي لا يستطيع الفرد أن يحقق كيانه بدونها، كما لا يستطيع المجتمع أن ينمو أو يتماسك إذا لم يوفر لأفراده أنواع العمل التي تناسبهم. ولا تقتصر محنة البطالة في المجتمع على مجرد كونها حرماناً للأفراد من طمأنينة امتلاك مستلزمات العيش، بل إن "إنسانيتهم" القائمة على العمل والإنتاج مخنوقة لا تستطيع أن تحقق كيانها.
تؤثر ظاهرة عدم القدرة على الشغل أو انعدامه في عملية التعلم. فالتلاميذ لا يرون أية مصلحة في التعلم، مما ينتج عنه فقدان الرغبة فيه. وعندما لا يتمكن الحاصل على شهادة من الظفر بعمل، يسقط في العدمية واللاجدوى. وكلما طالت مدة بطالته شعر بضياع خطير، لأنه يعي أنه قضى سنوات في الدراسة دون أن يتعلم شيئاً يؤهله للإنتاج. كما أن هذا يشكل خسارة بالنسبة للمجتمع الذي أنفق أموالاً على تعليم هذا الفرد دون أن يستفيد منه شيئاً. وهكذا يضيع الاستثمار كما يتسرب الماء في صحراء نيفادا.
فخلال عبور خلاء البطالة وقفارها، يتأثر جسم العاطل مادياً ومعنوياً، ويطبع بالحرمان والإحباط وانعدام الثقة في الآخرين، مما يولد لديه حقداً مضاعفاً : حقداً على ذاته لأنها لا تمتلك المؤهلات التي تمكنه من تحقيق ما ظل يحلم به طوال مدة دراسته، وحقداً على المجتمع ومؤسساته، لأنه لم يزوده بتعليم ملائم ولم يهيئ له ظروفاً للعمل.
عندما يفجع الشباب، الذي يطمح إلى احتلال مكانة محترمة في المجتمع، بانعدام الشغل أو بعدم قدرته على العمل والإنتاج بعد تخرجه من المدرسة، فإن كل مشروعاته تفقد معناها، وطموحاته تتحول إلى أشلاء. وما يمكن استنتاجه من هذا أن البطالة لا تمنح أبداً معنى للحياة، وإنما على العكس من ذلك تفرغ الحياة من كل معنى. وإذا كان على الفرد أن يعيش بدون شغل، فإن حياته تغدو خالية من المعنى لأن مشكلاته لن تجد طريقها لأي نوع من الحلول. وهكذا لا تصاب حياته بالشلل فقط، ولكن ينتهي كل شيء بالنسبة إليه. ينتهي السباق وينقضى كل مبرر يحفز عليه. وفجأة يُحدث العاطلون العنفَ كرد فعل على مصيرهم الاجتماعي السيئ، فيبدأ التخريب والتخريب الذاتي (تعاطي المخدرات...).
إن الحياة أوقات فرح وحزن ومرض، وحين لا تُوفر للشخص أي حد أدنى من الطمأنينة، فإن رغبته فيها تتعرض للموت. وحسب التحليل النفسي، فإن كل خطوة في الحياة هي خطوة نحو القبر، وبما أن الإنسان يعي موته، فإنه لا يمكن أن يكون سعيداً ما لم تمتلئ نفسه بالإيمان بالله والثقة واليقين في رحمته. لكن ما تجدر الإشارة إليه، أننا عندما نعمل نحس بمتعة الحياة وننشرح ويتم إبعاد شبح الموت نسبياً. إننا ننجز بالعمل وننمو من خلاله، كما أننا نسعد به إلى حد ما. تقول فيرجينيا وولف : >عندما أتوقف عن العمل أحس أنني على وشك السقوط في هاوية<. فالعمل يبعد الناس عن أسباب الانهيار والتوتر واليأس، ويشغلهم عن متاعبهم الأخرى، ويعطيهم اعتباراً وتقديراً، ويتيح لهم فرص التحسّن والنجاح...
ويعتبر إنتاج السلع والخدمات المختلفة، وقيام الأفراد بأعمالهم ووظائفهم في هذه الميادين، وتنظيم هذه الأنواع من الإنتاج، أمراً ضرورياً لحياة المجتمع. ومن أجل بقائه لابد له أن يؤدي كل عمله ويقوم بوظيفته في إطار تكامل نسبي بين مختلف أفراده. وتشبيه الأوركيسترا تشبيه مفيد في هذا الصدد أيضاً، حيث تعتمد القطعة الموسيقية على قيام كل فرد بدوره في إطار عام تمليه ضرورة القطعة وتنتظم فيه مختلف الأدوار في اتساق متناغم وإيقاع خاص.
3. المجتمع المنتج :
لن يكون المجتمع منتجاً إلا إذا أتاح الفرصة للفرد لكي يصل إلى أقصى ما يستطيع بلوغه عن طريق استخدام إمكاناته ومهاراته، وتنميتها في كل ما يتصل بعلاقته بالأفكار، والأشياء، والآخرين. ولابد أن يستمد النمو مادته من هذه الأشياء الثلاثة مجتمعة، وألا يقتصر على جانب منها دون الجوانب الأخرى، وألا يقلل من شأن أي منها، بحيث لا يـعـطي لـكـل عـملـيات تـنمية الشخصية المنتجة قدرها. فعلاقة الإنسان بالأشياء هي الجانب الذي لم يلق تقديراً يوازي قيمته في نمو الشخصية وحياة المجتمع نـتيجةٌ للـظـروف الاقتصادية والاجـتماعية التي عـاشتها البشرية واقتران العمل الـيـدوي بحياة الرقيق والـمـسـتـضعـفـيـن والعـمـل الفكـري بحياة السـادة والأحـرار. (Dewey, 1951, Chapter 19 (labor and Leisure)). لقد أحدثت الثورة الصناعية تغييرات سريعة متوالية في كيان المجتمع والفرد دعت إلى إعادة التفكير في هذه القيم. وقد ذهب بعض المفكرين إلى القول إن بين الفروق الجوهرية بين الإنسان والحيوان قدرة الأول على استعمال يديه والاتصال بواسطتهما بالبيئة وتحويله إياها وإنتاجه لأشياء مادية طورت حياته وغيرت من تصوراته وتفكيره وخبراته. ولهذا علت الصيحة من جديد لإعطاء العمل اليدوي قيمته وكرامته. فالشخصية المنتجة في المجتمع المنتج هي التي تقدر قيمة العمل اليدوي باعتباره نوعاً من النشاط الذي يحقق كيان الفرد والجماعة على أساس أن الاتصال بالأشياء والتفاعل معها وإنتاجها لا يقل أهمية عن الاتصال بالأفكار وإنتاجها. فلكل منها أهميته وقدره في الحياة الاجتماعية.
4. التعليم الأساسي :
تقتضي متطلبات تنمية البلدان الإسلامية تعميم التعليم الأساسي لإقرار الديمقراطية في التربية، ومعالجة مشاكل الفئات المحرومة للوصول إلى مجتمع متعلم منتج. كما يتطلب الأمر أن تتوفر للتعليم الأساسي العناصر اللازمة لتنمية المهارات الأساس، واستثمارها من قبل المتعلمين في تطوير شخصياتهم من جميع جوانبها، وتنمية القدرات والمهارات والمواقف والاتجاهات الملائمة لمطالب المواطنة في المجتمع، والمشاركة الفعالة في نشاطه، وتحقيق التنمية الشاملة له، بما في ذلك مطالب الحياة السليمة في الأسرة والمؤسسة التربوية ومؤسسات العمل والإنتاج.
5. التعليم الثانوي :
من المفترض أن يتم النظر إلى المرحلة الثانوية باعتبارها تشكّل في مجموعها وحدة متكاملة مع ما يسبقها ومع ما يلحقها من مستويات التربية والتدريب، مع ما يترتب على ذلك من تحقيق التوازن بين التعليم العام والتعليم التقني والمهني، مما يسمح للتعليم العام أن يكون امتداداً للتعليم الأساسي من ناحية، ويشكل قاعدة واسعة تشمل مجالات المعرفة الرئيسة، وتؤكد ما تنطوي عليه من خبرات إنسانية وأصول ومهارات من ناحية أخرى. وهكذا تكون المعرفة أساساً للنمو المتكامل للشخصية ومصدراً للتدريب الوظيفي لمطالب العمل والمواطنة، كما تشكل أساساً لأنواع من التخصص تتفق وميول الشباب واستعداداتهم.
ويتطلب الأمر كذلك أن يحتوي هذا التعليم العام على حظ مشترك يلائم الكثيرين، ويتيح لهم تنمية شخصياتهم وتطويرها، وأن يشتمل على نماذج متعددة متكافئة في المستوى متنوعة في المحتوى، تراعى فيها حاجات الأفراد واستعداداتهم وحاجات التنمية المجتمعية. وبذلك يمكن أن ينطوي على نماذج من التكوين المهني. ومهما يكن من أمر، فلابد من تجنب الفصل بين النوعين والتخلص من الاعتقاد بأن هناك تعليماً عاماً ذا طبيعة ثقافية حرة ليس له صلة بالعمل والإنتاج. فتلك ثنائية تنتمي إلى الماضي وإلى ظروف اجتماعية سابقة يجب تجاوزها، لما تتضمنه من فصل بين الفئات والمواطنين، وبالتالي بين مسارات التعليم وتنظيماته. وهنا لا بد من مراعاة المرونة والتوفيق بين الأنواع المختلفة من التعليم وفقاً لمستوى تطور النظام التربوي ومطالب العمل والفرص المتاحة فيه، وتوافر الموارد البشرية والإمكانات المادية. وينجم عن ذلك إمكان طرح عدد من البدائل المختلفة في هذا المجال يمكن أن تختلف باختلاف البلدان.
ويستند تطوير المناهج بصورة عامة إلى البحوث العلمية واعتماد المستحدثات والاجتهاد، وحرية أكبر للمعلمين في تفسير المناهج والتماس الخبرات والشواهد لها من البيئة المحلية وفي ممارسة المبادرة والإبداع والابتكار.
أ) تنويع التعليــم الثانوي :
يصبح التنويع مطلباً ملحاً في مرحلة الدراسة الثانوية كلما راعينا تمايز القدرات والاستعدادات وتمايز الميول والحاجات في مرحلة المراهقة، وكلما انتبهنا إلى تعدد المطالب المهنية وفرص العمل في المجتمع، الشيء الذي يتطلب الخروج من الصيغة التقليدية للمدرسة الثانوية النظرية، أو الخروج من الفصل القاطع بينها وبين المدرسة المهنية ومواصلة الجهود في تجريب صيغ جديدة من التعليم الثانوي، وبخاصة المدرسة الثانوية الشاملة والمدرسة التقنية.
المدرسة الثانوية الشاملة يمكن أن يعتمد في تنظيمها على ثلاثة مبادئ رئيسة :
1. الشمول بمعنيين: أن تشمل جميع التلاميذ على اختلاف أصولهم الاجتماعية وأحوالهم واستعداداتهم وقدراتهم واتجاهاتهم، وتشمل ميادين الدراسة الرئيسة الفكرية والعلمية الإنسانية والاجتماعية والطبيعية والتقنية.
2. مبدأ التكامل بمعنيين: التكامل في تنمية شخصية التلميذ بجوانبها النفسية والعقلية والخلقية والجسمية، والتكامل في الدراسات، وربط الفكر بالعمل، والجوانب الإنسانية بالجوانب الطبيعية والتقنية، وتأكيد تكامل المعرفة.
3. التفاعل مع المجتمع وتوثيق الصلة به، ورفع الحواجز بينه وبين المدرسة، تأثراً بإيجابياته وتأثيراً في تقدمه.
والمدرسة التقنية تعنى بتأكيد اقتران الفكر بالعمل واعتمادها على العلم والتقنية وتطبيقها في الحياة واتصال المدرسة بمؤسسات الإنتاج والإسهام معها في مهماتها والاستفادة من إمكانياتها.
وبصورة عامة، يجب النظر إلى مرحلة الدراسة الثانوية باعتبارها وحدة متكاملة، مع ما يسبقها و ما يلحق بها من مستويات التربية والتدريب، وما يترتب على هذا النظر من تحقيق للتوازن بين الدروس النظرية والدروس المهنية التقنية والتنسيق بينهما وفقاً لاستعدادات الطلاب وللحاجات التنموية للمجتمع، وسدّ العجز في إعداد أصحاب الكفايات الوسطى التقنية. وذلك لتصبح الدراسة في المدرسة الواحدة، أو في المدارس المتنوعة، امتداداً للتعليم الأساسي، ويصير التعليم برمته أساساً للنمو المتكامل للشخصية، وقاعدة للتدريب الوظيفي لمطالب المواطنة ومطالب العمل والتنمية، ومقياساً لتحديد أنواع التخصصات التي تتفق وميول الشباب واستعداداتهم. ومن شأن ذلك أن يقضي على الثنائيات، ويجعل التنوع تنوّعاً في إطار الوحدة، لا تشتتاً للوظائف والاختصاصات واختلالاً في توازنها.
ب) النهـوض بالتعليم التقني :
تكشف لنا الصعوبات التي تصادفها أغلبية البلدان في توسعها الاقتصادي وفي التنمية الاجتماعية، أن الأولوية التي أخذها التعليم الأكاديمي بالنسبة للتعليم التقني والمهني، في إطار سياسة تعليم الشباب، لم تسفر عن نتائج مشجعة. وهناك شواهد كثيرة تشير إلى أن نواحي النقص الخطيرة في التقنية المشاهدة في بعض البلدان لا تجعلها عاجزة عن تنفيذ مشاريع التصنيع التي أخذت بها فحسب، بل تعوقها أيضاً عن صيانة الأجهزة والمعدات التي تحصل عليها ما لم تستعن باليد العاملة الأجنبية.
كما أن نقل التكنولوجيا إلى بلدان العالم الثالث واستثمارها في النهوض بمستوى العمل والإنتاج والحياة عامة، لا يمكن أن ينجح عبر استيراد الآلات والأجهزة والمعدات الحديثة فقط، لأنه يتطلب في الدرجة الأولى تنمية الموارد البشرية الفنية المدربة الواعية والقادرة على استيعاب هذه التكنولوجيا وأصولها وطرق استثمارها وتكييفها لحاجات التنمية.
ج) مواجهة مشاكل التعليم التقني :
تقتضي مواجهة مشاكل التعليم التقني القيام بالعمليات الآتية :
ـ التخطيط لهذا التعليم وربطه بحاجات التنمية بصورة عضوية وفعالة.
ـ إيجاد قنوات واضحة بينه وبين التعليم الثانوي العام وانفتاحه من ناحية أخرى على التعليم العالي.
ـ تحسين نوعيته وتوفير وسائل التوجيه لدعمه وتوجيه الرأي العام لأهميته ودوره في تحقيق التنمية الشاملة.
ـ وضع نظام لهذا التعليم، ليس لمواجهة الحاجات الصناعية والزراعية والتجارية على مختلف المستويات فحسب، بل كذلك لمعرفة هذه الحاجات والتنبؤ بها. ومعنى ذلك ضرورة تحديد الأهداف الحقيقية لهذا التعليم لإبراز اتجاهاته وتيسير تدبّر المشكلات الكبرى التي يواجهها على المديين القريب والبعيد، ومشاركته مشاركة ملائمة في ضبط احتياجاته وتحديد نوعية الإنتاج الملائم من ناحية، وليسهم في سد العجز في اليد العاملة، من ناحية أخرى. فتلك عوامل كلها تؤثر في اتخاذ القرارات التي تسطر اليوم في شأن التعليم عامة، والتعليم التقني خاصة.
ـ جعل التعليم يتكيّف مع الوضع الجديد الناشئ عن التقدم التكنولوجي، إذ لم يعد الأمر مقصورا على تدريب مجموعة من العاملين المؤهلين، ولكن تجاوزه إلى تزويدهم بأسس رياضية وعلمية وثقافية متينة تمكنهم من مواكبة الأساليب الجديدة في الإنتاج.
6. التكوين المهني :
يشكل التكوين المهني مرحلة أخيرة لإعداد التقنيين المتوسطين، ويلجه خريجو الثانوي والتقني، لكن إصلاحه يتطلب نهوضه على أساس المبادئ الآتية :
ـ تحديث التكوين المهني وعَصْرَنَته بإعادة النظر في تدريسياته Didactiques وتشريعاته وطرائق تدبيره، وذلك من خلال القيام بأبحاث ودراسات.
ـ اتسامه بالمرونة والتنوع ومسايرته للتطورات العلمية والاقتصادية.
ـ قيامه بإعداد المتعلمين للعمل، وتمكين المتدربين من الاستمرار في التعلم واكتساب أسس المعرفة بما يمنحهم القدرة على مواكبة التحولات التي تطرأ على أساليب الإنتاج، ويؤهلهم للترقي في حياتهم المهنية، أو تغييرها كلما تطلب الأمر ذلك. ولا يمكن للمتدرب أن ينجز ذلك بمجرد قيامه بممارسة نمطية للعمل، بل لابد من جعلها قادراً على تنمية مهاراته ومتابعة تطور المعرفة ومستجداتها.
ـ انفتاحه على عالم الصناعة والزراعة والتجارة وجعله منها فضاء للتدريب والتعلم.
ـ توفير كل ما يحتاجه من مخابر وتجهيزات وأدوات ومواد.
ـ انفتاحه على التعليم العالي وإقامة قنوات بينهما.
ـ وضع سياسة تنموية تمكّن الخريجين من مزاولة العمل بعد تخرجهم منه، الشيء الذي يحفز على الإقبال عليه والانخراط فيه.
7. التعليم المتناوب :
يشكل التدريب على العمل وفي أثناء الخدمة مجالاً رئيساً للتربية. ويعد من أقرب المجالات لتحقيق التنسيق والتكامل بين نظامي التربية المدرسي واللامدرسي. وتضطلع المدرسة بدور فيه من خلال إرساء أسسه العامة، وتتولى مؤسسات العمل نصيبها منه بتكييفها لأغراضها مع التحولات التي يعرفها محيطها العلمي والاقتصادي، واستفادتها من إمكانات المدرسة والمعهد والجامعة في تنظيم إنتاجها و توفير بعض الكفايات له. وبذلك تكون التربية المدرسية تمهيداً للعمل والعمل عودة إلى التربية ومطالبها.
ويشكل التعليم المتناوب أسلوباً للتنسيق والتكامل بين المؤسسات التربوية ومؤسسات العمل والإنتاج، والاتصال بالمجتمع وتقدير الحاجات التربوية للشباب وللمواطنين عامة، ويعني في جوهره تنظيم الفرص التربوية لهم، وتمكينهم من استثمارها خلال ممارسة العمل أو بعده وفى تتابع محكم بينهما.
وقد برز التفكير في هذا التنظيم خلال السبعينيات في البلدان الصناعية، حيث جاءت الدعوة لجعله بديلاً لنظام التربية المدرسية الذي تمتد فيه الدراسة حوالي عقدين من الزمن، تتصل فيها المراحل واحدة بعد أخرى، ولكسر ذلك النظام الصلب الذي يشترط أن يأتي العمل بعد إنهاء الدراسة، الشيء الذي يجعل الشغل والتحصيل الدراسي عالمين مختلفين.
8. مضمون التعليم :
لا يمكن أن تنمو الشخصية المنتجة إلا في ضوء فلسفة شاملة تخدم جوانب ثلاثة في عملية التعلّم : أولها توضيح الغايات المحفزة على اكتساب المعلومات والخبرات والمهارات، وبذلك تجيب عن سؤال جوهري في التعليم هو: "ماذا نتعلم ونعلم ؟". والجانب الثاني هو إسباغ معاني اجتماعية وخلقية على ما نتعلمه ونعلمه، فيصبح بذلك رأسمالاً منتجاً لا راكداً، فلا تغدو المعلومات أو الخبرات سبائك ذهبية للزينة، وإنما تصير شبيهة بالأرض الزراعية أو المصنع، تنمو نمواً دائماً وتعود بالنفع على الفرد والمجتمع، وتستطيع أن تتجدد على الدوام عن طريق إنتاجها. و يـجـيـب هذا الجانب عـن سؤال جوهري في عملية التعلم، وهو : "لماذا نتعلم ؟". أما الجانب الثالث فهو التعرف على طرائق التعلم وأساليبه ووسائله، لأن الوسائل ترتبط بالغايات، والمقاصد بالطرائق، والمضمون بالشكل، إذ لا يمكن الفصل بينهما بتـاتاً. ويقـودنا هـذا الجانب إلى الإجـابة عن السؤال الثالث في العملية التعليمية وهو : "كيف نعلم ما نريد أن نعلمه من أجل بلوغ غايات ومقاصد محددة ؟".
تذهب النظرة التقليدية للتعليم إلى أن المعرفة تقتصر على معلومات متفرقة يعتمد فيها على الخطابة والتلقين من جانب المدرس وعلى الاستظهار من جانب المتعلم، ويفترض أنها ثابتة نسبياً تنتقل من جيل إلى جيل، كما يظن أنها ذات نفع مباشر في الحياة العملية، فهذه نظرة تعتمد على التقليد والمحاكاة والركود والجمود.
وهناك نظرة أخرى أفضل من تلك النظرة السابقة تعتبر المعرفة مجموعة من القواعد والمبادئ والقيم والاتجاهات، يستوعبها المتعلم ليتمثلها في سلوكه وشخصيته وتكون جزءاً من تكوينه ويستعين بها في مواجهة مشكلات الحياة. وهذه نظرة تميل إلى إضفاء قدر من القيمة الذاتية على المعرفة قد تصل إلى حد بعيد، وتكتسب صفة الثبات وتصير بعض المعارف وفقاً لها ذات قيمة بذاتها.
ونبلغ مستوى أعلى حين يتم النظر للمعرفة باعتبارها متطورة باستمرار وأن وظيفتها الرئيسة في التربية تمكين المتعلم من النمو والتطور وجعله قادراً على تجاوز القواعد المقررة ليبتكر بدائل لها كلما اقتضى ذلك تجدد المشكلات وتعقدها. وتكون المعرفة بهذا المعنى دينامية متغيرة لا يقف منها المتعلم موقف الاستسلام والإذعان، بل موقف التفاعل والتطوير والابتكار. وتكمن قيمتها الرئيسة في كونها أداة يستثمرها وسبيلاً إلى تمكينه من ممارسة الابتكار وإضفاء جهوده الذاتية عليها ووعيه بذاته في التسلط وفي تطويرها وفي استثمارها لصالح مجتمعه.
وتعزز هذه النظرة إلى المعرفة الثورة العلمية المعاصرة وما تميزت به من تفجر المعرفة وسرعة تناميها وتعدد نظرياتها وتنمية النزعة التجريبية فيها، وتكاثف جهود الباحثين في تطويرها من ناحية، واعتبار تطوير الشخصية من جميع جوانبها وتمكين المتعلم من تنمية شخصيته بجهوده الذاتية وممارسة الابتكار في مواجهة مشكلات الحياة هدفاً رئيساً للتربية من ناحية ثانية.
على أن محتوى التربية، مهما كانت المعرفة تشكل جانباً رئيسياً فيه، لا يقتصر عليها، بل يشمل الخبرات الإنسانية من جميع جوانبها : المعرفية والوجدانية والنزوعية : المعرفية وما تنطوي عليه من إدراك وتفكير وخيال، والوجدانية وما تشتمل عليه من انفعال وعاطفة واهتمام، والنزوعية وما تتضمنه من إرادة وعمل. وهذه الخبرات الإنسانية هي المجال الصالح لتطور الشخصية وتحقيق التوازن والتكامل بين جوانبها، وبالتالي هي السبيل لإغناء حياة الإنسان وإضفاء المعنى والقيمة عليها. وتلك حقائق يجدر أن نستحضرها في الأذهان عند تطوير المناهج والبرامج.
ومما يترتب على هذه الحقائق تَعَدُّدُ الصيغ التي يمكن أن تنظم فيها محتويات الدراسة ومواردها. فلا يظن، كما يحدث كثيراً، أن المادة الدراسية التي تعتقد فقط في إمكان إقامة صيغة واحدة للميدان العلمي الذي تنتمي إليه، لا يمكن تجاوزها، بل من الممكن أن تتطور عدة صيغ يمكن تكييفها للأغراض المتوخاة منها تبعاً لمستويات المتعلمين والطرائق التي تلائمها. ويحصل ذلك في الميدان العلمي الواحد. وجدير به أن يحصل كلما تم تنظيمها في ميادين عملية متعددة. وهو اتجاه في تأكيد التداخل والتكامل في المعرفة يحسن تنميته والتوسع في تطبيقه ليتيح للمعلمين والمتعلمين التفاعل مع فروع المعرفة كافة واستثمارها في مواجهة المشكلات المجتمعية والتماس الحلول لها بجهودهم الذاتية. وفي هذا تصحيح للاتجاهات السائدة التي تعتبر موضوعات الدراسة مجرد معلومات متفرقة يتم تخزينها في الذاكرة.
بذلت البلدان الإسلامية، في السنين الأخيرة بالخصوص، جهوداً متواصلة لتطوير مناهج التعليم وبرامجه وأساليب التدريس. وعلى الرغم من ذلك، فلا تزال مناهج التعليم في معظم هذه البلدان تتمحور حول المعرفة دون الخبرة، ولا يزال التدريس في معظمه يقوم على التواصل اللفظي الذي يتحكم فيه المدرس، ويستند أساساً إلى الكتاب المدرسي. ولا تزال الوسائل التقنية التي قد تستعمل في التدريس أحياناً محدودة في كمها ونوعها وفي أغراض استعمالاتها، الشيء الذي يستوجب تخطيطاً سليماً للمناهج، ينطلق من تقويم موضوعي شامل لحاجات التنمية الحضارية والمجتمعية والفردية، ويستند إلى منهجية عقلانية منظمة، وإلى توفير الموارد المادية والبشرية والأجهزة والتشريعات التربوية التي تسهل تنفيذ المنهاج Curriculum وتقويمه وتحسينه.
9. التربية العملية والتقنية :
تنطلق هذه التربية من حيث المبدأ من اعتبار العمل بجميع أنواعه الجسمية والفكرية والمجتمعية ركيزة من ركائز التربية ومجالاً لتنمية الشخصية. وتتألف أصلاً من الخبرات العملية وما تشتمل عليه من المهارات الحركية الحسية، وتشمل الإدراك والتفكير والممارسات الجمالية والمجتمعية، وتتطور بما ينسجم مع نمو الشخصية وتطورها، الشيء الذي يؤدي إلى استيعاب الأسس العلمية والتقنية واستثمار نتائجها في تطوير أساليب الإنتاج وربطها بوظائفها المجتمعية في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات، ليكون العمل متصلاً بكرامة الإنسان ومؤدياً إلى تقدم المجتمع. وهكذا يتم التأكيد على العمل من حيث هو قيمة حضارية ذات وظائف إنسانية مجتمعية، ومن حيث هو مهارة جسمية وعقلية.
10. التربية العلمية :
يؤكد هذا النوع من التربية على الروح العلمية وما تتضمنه من مواقف ومناهج وأساليب، كما تؤكد على تطوير الشخصية وتمكينها من مواجهة المشكلات بالروح والمواقف والأساليب العلمية واستيعاب المفاهيم والمبادئ والنظريات العلمية والقدرة على تطبيقها، وليس هدف التربية العملية اكتساب مهارة لإنجاز مهمة معينة في المجتمع، أو لخدمة المجتمع عموماً، بل لخلق الظروف التي يستطيع فيها الشخص أن ينمو في فن الحياة البشرية. فليس اكتساب المهارة إلا وسيلة أو إطاراً يستطيع المرء أن يتعلم داخله كيف يكون وجوداً يحقق ذاته. وعندما يحقق الشخص ذاته فإنه يستطيع، في هذه الحالة وحدها، أن يكون منتجاً على المستوى البشري.
11. الطرائـق :
ليست هناك طريقة واحدة، وإنما هناك طرق متعددة تتنوع بتنوع أغراض التعلم ومحتوياته واستعدادات التلاميذ وتعدد مستوياتهم. ولكن يليق بنا التأكيد على اتجاهات عامة فيها :
ـ انسجام الطرائق مع مضمون المادة الدراسية وعدم تناقضها معه ابستمولوجياً، وذلك تجنباً لنسف المادة الدراسية.
ـ تنمية التطلع لدى المتعلم وتمكينه من السعي لفهم الأشياء والظواهر واتخاذ موقف الباحث المستكشف لها.
ـ تنمية نزوع المتعلم إلى مواجهة المشكلات وتشخيص المواقف وتحليل الظواهر وتجميع الوقائع واستقرائها وصولاً إلى استخلاص استنتاجات منها تمكّنه من تطوير حلول لها، وبالتالي تنمية المواقف العقلانية وممارسة التفكير والمنهجية العلمية وجعلها أسلوباً في فهم الطبيعة والإنسان والمجتمع والكون عامة.
ـ جعل التعلم متسماً بالمتعة من ناحية، وبالمنفعة من ناحية ثانية.
ـ توجيه التغيير التربوي إلى استعمال أشكال من التعليم تقود إلى الاستقلال التربوي في المدرسة وخارجها، وتقديم تعليم متفرد يأخذ بعين الاعتبار حاجات المجموعة الخاصة من المستفيدين وقدراتهم.
ـ تنمية الأساليب الديمقراطية في التعاون والمشاركة في الرأي واحترام الآخرين والاضطلاع بالمسئولية ورعاية المجتمع والمصالح العامة.
12. العلاقة بين المضمون والطريقة :
لابد من التعرض هنا للعلاقة بين مضمون التربية ومحتواها من جهة، والطريقة التي تستخدمها لتترك آثارها في أكبر نتيجة أو محصلة من جهة أخرى. وقد درج الناس في تفكيرهم وسلوكهم، على النظر إلى المحتوى والطريقة باعتبارهما شيئين منفصلين. وينتمي هذا التصور إلى الفلسفات الثنائية التي تعتبر العقل أو الطبيعة البشرية شيئاً مستقلاً عن العالم الخارجي بعناصره المادية والاجتماعية. فالمادة التعليمية هي تنظيم لحقائق العالم الخارجي، والطريقة هي الأساليب التي يمكن اتباعها لتقديم هذه المادة التعليمية إلى المتعلم لطبعها في العقل، أو لانطلاق العقل نحوها ليتقبلها ويدركها. والواقع أن الطريقة أو الوسيلة لا يمكن أن تكون شيئاً منفصلاً عن الموضوع أو الغاية، بل إن هذين الجانبين شيء واحد؛ فالطريقة هي تنظيم للمادة ومعالجة لها حتى تكون فعالة في استعمالها أو تحقيق الأغراض المنشودة بأقل جهد ممكن وأقل ضياع ممكن. فالإنسان، كما يقول جون ديوي، حين يأكل إنما يأكل طعاماً، وليست طريقة الأكل منفصلة عن مادة الطعام نفسها. وهكذا الشأن في إنتاج قطعة موسيقية. إذ لا توجد، مثلا، طريقة معينة للعزف على البيانو أسرارها مودعة في أصابع الفنان ومنفصلة عن البيانو نفسه. فالإنتاج الفني إنما هو النشاط الذي يتم نتيجة لمعالجة خاصة، وليست طريقة العزف سابقة لآلة البيانو أو قائمة بصرف النظر عنه (Dewey, 1951, Chapter XIII زThe nature of Methodس).
لقد اتجه جزء كبير من تفكير المشتغلين بشؤون التربية في إصلاح التعليم إلى ما يسمى بالطرق التربوية الحديثة، وإلى تقنين هذه الطرائق والأساليب، وإلى شيوع "الموضات" في هذا الميدان. بل انتهى تفكير الكثيرين منهم إلى أن الأمر لا يتعدى مجرد إصلاح أو تعديل في البرامج من ناحية، يصاحبه إصلاح أو تعديل في الطرائق والوسائل من ناحية أخرى، دون إدراك لهذا الترابط الضروري بين البرامج والطريقة في صورة حية على نحو ما أشرنا إليه. وقد ترتب على هذا في بعض الأحيان اللجوء إلى فرض طرائق معينة كوسائل للتعليم. ولا يمضي وقت قصير حتى تصبح هذه الطرائق أموراً ميكانيكية يمكن تطبيقها في جميع الظروف والمواقف، وتنقلب الطريقة في ذاتها إلى أداة لخلق اتجاهات معينة في شخصية الفرد. وقد تؤدي به إلى أن تتركز استجاباته لمواقف الحياة في اتباع المألوف وعدم القدرة على الابتكار أو التصرف أو فقدان الثقة بالنفس أو غيرها من الاتجاهات. ويحدث ذلك مهما كانت الطريقة حديثة ما دام النظر إليها قد تمَّ باعتبارها أسلوباً و"تقنية" لا علاقة له بالأهداف والغايات وما تروم تحقيقه من نتائج في حياة الأفراد وتكوين شخصياتهم.
وبذلك تعتبر الطريقة في التربية تنظيماً يرتبط بالنشاط الإنساني لبلوغ غايات معلومة. وليست العبرة بالنتيجة الظاهرية لاستعمال طريقة معينة، وإنما بما تؤدي إليه هذه النتيجة من آثار أخرى، وبأنواع التصرف في المواقف الجديدة وبمقدار ما يستمده الإنسان من خبرة قابلة للاستعمال والتطبيق في الحياة. ففي متناول المدرس أن يعلم التلميذ عمليات الضرب بطريقة مختلفة، وفي كل حالة من الحالات تكون النتيجة معرفة التلميذ لهذه العملية الحسابية. ولكن ارتباط الطريقة بالأهداف وبالمواقف التي يتعلم فيها الطفل، وبما يحمله من تصورات، يحدث فرقاً جوهرياً في عملية التعلم والاستفادة منها وتطبيقها ومدى ما ينتج عنها من تنمية في شخصيته واتجاهاته. وما يعرف بالطريقة عادة، هو جزء من الموضوع، ومنهج من مناهج التعامل معه، والنظر إليه.
ففي نظرية المعرفة نفسها نجد أن أساليب المعرفة وطرائقها قد ارتبطت ارتباطاً مباشراً بأهداف الحياة وغاياتها. فقد ارتبطت الطريقة القبلية ومنهج القياس المصاحب لها، بفلسفات معينة، فكانت مثلاً هي وسيلة المعرفة وسبيلها الوحيد في العصور الوسطى في أوروبا ؛ فالحقيقة موجودة قبلا سواء اهتدى إليها الإنسان بحواسه وإدراكه أم لم يهتد إليها، والمعرفة تكتشف ولا تخلق، فهي أزلية خالدة. وهناك الطريقة "الواقعية الساذجة" التي ارتبطت بالتفسير الميكانيكي للوجود في القرن الثامن عشر، وفحواها أن الحواس هي وسيلة المعرفة، والمعرفة ليست سوى صورة لما يتلقاه العقل من مرئيات خارجية عن طريق الحواس. فالمعرفة في هذه الحالة هي تصوير فوتوغرافي لما يجري في الخارج، وما يعكسه ذلك من انطباعات في داخل العقل. ثم ظهرت طريقة التجريب، وهي وسيلة من وسائل المعرفة مرتبطة، كما هو معلوم، بأهداف وغايات فلسفية واتجاه معين لمعالجة مظاهر الحياة وفهمها وتنظيمها واستغلالها. وهكذا إذا استعرضنا وسائل "المعرفة" وجدناها مرتبطة بأهداف وغايات اجتماعية ونظرة إلى الحياة نفسها، ومتغيرة بتغير هذه الأهداف والغايات.
إن الطريقة ليست مطلقة تستطيع أن تحقق نتائجها بصرف النظر عن مقومات الموقف أو عناصر الموضوع. و"التقدير المطلق" للطريقة أمر ينبغي أن ننصرف عنه إلى "التقدير الوظيفي" لعناصر الموقف كلها، على اعتبار أن الطريقة عنصر يستمد فاعليته من وضعه ووظيفته بين العناصر جميعها. فليس الأمر أمر "الطريقة الكلية" في تعليم القراءة، وليس الأمر أمر طريقة "المشروع"، فهذه الوسائل كلها قد تصبح غايات في حد ذاتها إذا لم ترتبط بالوعي الذكي لعناصر الموقف التعليمي كله من تقدير المدرس وخبراته وتجاربه، وتقدير ما يتوفر في المدرسة من مواد تعليمية، إلى جانب تقدير العوامل التربوية الأخرى الموجودة خارج المدرسة، وربط ذلك كله بدوافع المشتركين في العملية التعليمية بمختلف فئاتهم.
13. إعطاء المدرسة معنى :
ينبغي في تنظيمنا للتعليم والتعلّم التركيز على المعنى، فكثير من التعليم المدرسي رديء لأنه لا يعني شيئاً بالنسبة إلى التلاميذ. وقد يكون غياب المعنى أو ضحالته راجعاً إلى المادة الدراسية نفسها، أو إلى طريقة تدريسها، لكن المعرفة التي تدوم هي المعرفة التي تقدم معنى إلى التلاميذ. والتعلّم محاولة للفهم، أي لاكتشاف المعنى وتوضيحه والإحاطة به وتطبيقه، وهذا يناقض التعلم تكراراً وحفظاً. فالتعلم يبدأ بمشكلة ويستمر محاولة لحل هذه المشكلة. فعلينا إثارة فضول التلاميذ وبث إرادة ردّ التحدي فيهم وحثهم على اكتشاف العلاقات بين الأشياء والأفكار. هناك رابط بين الأشياء وهذا ما نتعلمه، وما يجب اكتشافه. فربما أخفق تلميذ في تعلم موضوع معين، لأنه لم يكتشف أية مسألة حقيقية تجعله مادة مهمة، أو لأن هذا الموضوع يدرس بطريقة لا تظهر له أية أهمية. وما لم يكن التعلّم اكتشافاً لمعنى ما نتعلمه، فإنه يؤول إلى إخفاق، ويكون ناجحاً بقدر ما يمنح معاني مهمة.
يحقق التعلّم غايته عندما يولد لدى المتعلم حسّاً بأنه اكتشف شيئاً، أي اكتشف علاقة أو رابطاً بين المواد ورأى فيها معنى وإمكاناً لفهم الذات والآخر والعالم. وهكذا فالتعلم بحث وفهم واكتشاف ؛ إنه اكتشاف حلول لها، واستمرار في طرح الأسئلة وتطوير الحلول. ولكي يكون التعلم مجدياً يجب أن يحدث في المتعلم تغييراً مجدياً.
إن التعليم المفيد هو المفضي إلى فهم المبادئ العامة مع تحقيق دراية عميقة وشاملة بقواعد تطبيقها على أوضاع متنوعة محددة. ورغم أن التلاميذ سينسون التفاصيل، إلا أنهم سيذكرون كيفية تطبيق المبادئ التي تعلموها على مواقف مشابهة. إن وظيفة المدرسة هي مساعدة التلميذ على هجر الجزئيات والتفاصيل لصالح الإدراك العميق للمبادئ.
يفصل التعليم في أغلب البلدان الإسلامية بين إنتاج المعرفة وإدراك المعرفة واستيعابها. وعندما تخلو العملية التعليمية من إنتاج المعرفة، يتم اختزال المعرفة في نقلها، ويغيب الفعل والتفكير النقدي والاطلاع والبحث. وعندما نفصل إنتاج المعرفة عن إدراك المعرفة، تتحول المدرسة إلى محل لنقل المعرفة أو بيعها. فهناك من يعتقد أن المعرفة يتم إنتاجها من قبل باحثين وواضعي البرامج، ولا يتم إنتاجها داخل المدرسة، وأن التدريس لا علاقة له بالبحث وبإنتاج المعرفة. إن هذا التصور يتنافى مع كون التربية جدلية تؤدي إلى خلق المعرفة وإعادة خلقها. يقول بياجيه Piaget : >الفهم أن تخترع<، و>الفهم أن تكتشف وتعيد البناء عن طريق إعادة الاكتشاف<. ويتم البدء في اكتساب منطق الاكتشاف منذ الصغر. والأساس ليس مراكمة المعلومات ولكن مواجهة هذه المعلومات وتطبيقها والتصرف فيها.
من واجب المدرسة أن تساعد التلاميذ على إيجاد المعنى في ما يتعلمونه. لكن ما المقصود بالمعنى ؟.
إنه القدرة على التفكير برصانة مع تحديد اتجاه لذلك التفكير، فقد يجد المرء معنى لحياته، أو يمنح معنى لوجوده عندما يستطيع، بحكمة، أن يسير بفكره في الاتجاه الذي رسمه لنفسه. وإيجاد المعنى للمدرسة هو بناء مجموعة من الاستدلالات وتحديد مجموعة من القيم التي تسمح لنا بمنح عالمنا نظاماً معقولاً قابلاً للفهم من قبل الآخرين، ويمكنهم مناقشته معنا ومشاطرتنا الرأي فيه أو الاختلاف معنا فيه. وهكذا يتم بناء المعنى من خلال الفعل الواعي من قبل الذات المنخرطة في عملية البناء مع إدراكها لانخراطها في ذلك. يستوجب بناء المعنى القيام باستثمار واتخاذ مسافة إزاء هذا الاستثمار للتمكن من التأمل في أعمالنا. ويكمن المعنى في العلاقة القائمة بين تورط الذات في بنائه والتفسير الذي تقدمه لذلك. إنه أساس بناء الشخصية وصلبه (Develay, 1996).
يقتضي إعطاء الفرد معنى لعمله أو حياته أن يمنح ذاته غاية أو مشروعاً شخصياً يتحول لاحقاً إلى مشروع مهني : إنها عملية بناء الفرد لهويته. ويمكن أن تشكل المدرسة مسرحاً لهذه العمليات. ولا تأخذ الوضعية التعلمية معنى بالنسبة إلى من يتعلم، إلا شريطة وجود علاقة بينها وبين الغاية التي يطمح إلى تحقيقها.
إذا كانت العملية التعليمية التعلّمية تنهض على بناء المعنى وحضوره، فإن المتأمل فيه يجد نفسه أمام مفهوم شديد التعقد. ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية :
ـ إن المعنى الذي نمنحه للأح

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى